الصحراء الان
متابعة عبر منصة الطاقة
تشكّل المعادن النادرة في 3 دول أفريقية طوق نجاة لأميركا، من الاعتماد المفرط على الصين بوصفها المهيمنة على الصناعة طوال السنوات الماضية.
وتُحكم بكين قبضتها بنسبة كبيرة على المعادن والموارد الأفريقية، إذ نجحت في ترسيخ استثماراتها بعدد من دول القارة، جنبًا إلى جنب مع توغّل شركاتها في عملية تطوير موارد النفط.
وحسب تقديرات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تبرز أكبر إمكانات المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، يشتهر كل منها بمعدن مختلف، بدءًا من المغرب الذي حجز موقعًا عالميًا لموارده من الفوسفات، وجمهورية الكونغو الديمقراطية المورد الأول عالميًا للكوبالت، وزامبيا التي تعدّ أكبر منتجي القارة من النحاس.
وقد تتحول القارة إلى "ساحة صراع" غير معلن بين الصين وأميركا حول كنوز المعادن النادرة، في حين إنه على الأرجح قد تصبّ هذه المنافسة في صالح أفريقيا بضخّ البلدين المزيد من الاستثمارات فيها.
مساعٍ أميركية
أدركت أميركا مؤخرًا حجم موارد المعادن النادرة في 3 دول أفريقية بصورة محددة، وافتقارها لضخّ الاستثمارات في القارة السمراء منذ زمن طويل، ما أدى إلى تفوّق الصين عليها في هذا المضمار.
ويبدو أن هذا الإدراك بدأ يتحول إلى طموح مدعوم بمقترحات عملية، ودعا المعهد الأميركي للسلام إلى دفع عجلة التعاون التجاري مع دول القارة السمراء، وتبنّي دبلوماسية جديدة تتضمن عقد شراكات واتفاقيات تعدينية، بهدف تقييد النفوذ الصيني على المعادن.
وربط تقرير صادر عن المعهد بين ضمان أمن إمدادات المعادن -ومن ضمن وجهاتها أفريقيا- وبين تحقيق الأمن الوطني، محذرًا من الاعتماد الأميركي المفرط والكامل على إمدادات المعادن المهمة من خارج البلاد، خاصة الصين.
وأوصى المعهد بضرورة سعي واشنطن لتوفير مصادر جديدة لإمدادات المعادن النادرة، تجنبًا لأيّ محاولة قد تخوضها بكين للسيطرة على سوق المعادن، أو وضع قيود على صادراتها.
وتبرز أهمية المعادن النادرة في 3 دول أفريقية خاصة، والقارة بأسرها، في ظل الاتجاه العالمي لتحوّل الطاقة وتعزيز تصنيع السيارات الكهربائية والبطاريات وغيرها.
حلول مقترحة
مع تسليط الضوء على موارد المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، نصح معدّو التقرير الإدارة الأميركية بزيادة التمثيل التجاري في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، لا سيما بعد انضمام شركات من الشرق الأوسط إلى سباق المعادن في القارة.
وبالتزامن مع ذلك، أوصى التقرير باستغلال أميركا لتعثّر الاستثمارات الأجنبية في مشروعات معادن بعض الدول الأفريقية، والتدخل للمشاركة في بعض المشروعات.
ورغم خريطة الطريق التي رسمها تقرير المعهد للإدارة الأميركية لاقتحام عالم موارد المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، أكد المعهد أن الجهود التي تتطلع بلاده لبذلها لتطوير معادن القارة السمراء لا ترقى للمنافسة مع بكين.
وفسّر تقرير المعهد ذلك بأن السياسات الأميركية لا تتلاءم مع أنظمة التعدين البيئية التي لا تمانع الصين في العمل بها، خلال طرح المناقصات والحصول على عقود التعدين في المناجم الأفريقية، حسب تقرير نشرته رويترز.
ويوضح الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تقديرات حجم استعمال المعادن في صناعة الطاقة المتجددة:
استعمال المعادن الحيوية في الطاقة المتجددة
إمكانات المعادن الأفريقية
لتوضيح أسباب الصراع المحتدم بين أميركا والصين حول المعادن، ومحاولة أميركا تقليص السيطرة والهيمنة الصينية على سوق الموارد العالمية، يتعين سرد إمكانات أبرز الدول الأفريقية في هذا المجال، وتستعرض منصة الطاقة المتخصصة بعضها في الأسطر التالية..
1) المغرب
يملك المغرب إمكانات واعدة من المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، هي الأبرز في القارة السمراء، ويركّز بصورة خاصة على الفوسفات والكوبالت.
معدن الفوسفات:
إذا تحدّثنا عن معدن الفوسفات الحيوي والرئيس لصناعات حياتية مهمة، يتعين الحديث عن المغرب، البلد الواقع شمال القارة السمراء، وصاحب ثاني أكبر مخزون عالمي من صخور الفوسفات.
ولم يمنع إدراج الرباط في المرتبة الثانية اقتناصها لقب أول مُصدّر عالمي لمادة الفوسفات، وهي مادة تدخل بصورة رئيسة في صناعة أسمدة المحاصيل الزراعية، بجانب دور المعدن في صناعات تعدينية وحربية وطبية وغيرها.
ويدفع ذلك نحو تعزيز دور المغرب في حل أزمة الغذاء العالمية، بوصفه أحد أكبر منتجي الأسمدة عالميًا، باحتياطيات تبلغ 50 مليار طن متري، حسب البيانات التي ترصدها دوريًا منصة الطاقة المتخصصة.
ويسبق المغرب في قائمة أكبر الدول امتلاكًا لاحتياطيات الفوسفات، النرويج، باحتياطات تصل إلى 70 مليار طن متري، وتحلّ بعد المغرب دول أفريقية أخرى من بينها: مصر، تونس، الجزائر، جنوب أفريقيا.
وقبل عام، في أبريل/نيسان 2023، قدّرت مجموعة سي آر يو (CRU) البريطانية للتعدين والأسمدة، حجم صخور الفوسفات في المغرب بنحو 70% من إجمالي الاحتياطي العالمي.
وتباع صخور الفوسفات المغربية بأسعار تفوق صخور الدول الأخرى، وتؤول مهمة استخراج المعدن في البلاد إلى مجموعة أو سي بي (OCP) أو المكتب الشريف للفوسفاط.
وتملك المجموعة حق الوصول إلى احتياطيات الفوسفات بصورة حصرية في المغرب، وتشغل 3 مناجم، ما يشير إلى مدى تأثيرها في سوق الأسمدة العالمية.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- موقع المغرب بصفته ثاني أكبر دولة امتلاكًا لاحتياطيات الفوسفات:
أكبر الدول امتلاكًا لاحتياطيات الفوسفات في العالم
معدن الكوبالت:
ينتج المغرب أيضًا معدن الكوبالت، لكن ليس بقدر الريادة في إنتاج الفوسفات، إذ يدخل الكوبالت بالأساس في صناعة بعض الأجهزة والتوربينات والمحركات والبطاريات والسيارات وغيرها.
وحتى الآن، سطع نجم منجم "بو عازر" الواقع جنوب مدينة ورزازات، بإنتاج محتمل للعام الماضي 2023 قدره 1902 طنًا من الكوبالت.
وطالما خططت حكومة الرباط للاستفادة من موارد الكوبالت غير المضافة للاحتياطيات حتى الآن، وزيادة الإنتاج عبر التعاقد من شركات أجنبية تركّز على استخراج المعادن في المغرب.
بالإضافة الفوسفات والكوبالت، يُحتمل أن تضيف مناجم مغربية المزيد من موارد المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، في ظل خطط لاستكشاف مناجم قد تضم الزنك والرصاص والنحاس.
2) جمهورية الكونغو الديمقراطية
تملك جمهورية الكونغو الديمقراطية موارد مميزة من معادن الكوبالت والنحاس، حسب تقرير للبنك الدولي (The World Bank).
ورغم أن الجمهورية تُعرف بأنها واحدة ضمن أكثر الدول العالمية ثراءً بمعادنها -بقيمة إجمالية تصل إلى 24 تريليون دولار- فإنها ما زالت ضمن الدول التي تضم أكثر السكان فقرًا، وفق تقدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).
ومن بين إمكانات المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، تعدّ جمهورية الكونغو غنية بالنحاس والكوبالت والزنك والمنغنيز والليثيوم والكامديوم والجرمانيوم والبلاديوم واليورانيوم والبلاتين، بجانب الماس والذهب والفضة وغيرها.
التحديات والطموح الأميركي:
تقف هذه الموارد الهائلة مكبّلة أمام محاولات استثماراتها، إذ تواجه شركات التعدين الغربية قيودًا، من ضمنها الافتقار للبنية التحتية -مثل الطرق والكهرباء- الضرورية لاستخراج هذه المعادن.
وأطلقت المنظمات الدولية توصياتها بزيادة تمويل الدول المانحة إلى جمهورية الكونغو، بهدف احتواء التحديات التي تنطوي على مخاطر تعوق تطوير المعادن.
ويرى المعهد الأميركي للسلام أن احتياج الدولة الأفريقية للاستثمار في المرافق الرئيسة والبنية التحتية، قد يشكّل فرصة سانحة لبلاده لبسط نفوذها والسيطرة على جانب من موارد المعادن النادرة في 3 دول أفريقية.
التوغل الصيني:
على الجانب الآخر، توسّع الصين نشاطها في مناجم الكوبالت بجمهورية الكونغو، بهدف تعزيز حصتها السوقية، خاصة أن المعدن يدخل بصورة كبيرة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.
ورغم فائض المعروض في سوق الكوبالت العالمي بحلول نهاية العام الماضي 2023، وتهاوي أسعاره لما يزيد عن النصف، فإن بكين واصلت استخراجه، بحسب تقرير نشرته رويترز حينها.
وتملك شركة كاتل (CATL) الصينية -أكبر شركات تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في العالم- بحصّة جزئية منجم "كيسانفو"، لإنتاج الكوبالت في جمهورية الكونغو التي احتلّت المرتبة الأولى عالميًا في إنتاج المعدن عام 2022.
تطوير أميركي:
تنافس زامبيا بسباق المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، إذ تشتهر بوصفها أحد كبار منتجي النحاس في العالم، وأعلنت وحدة رئاسية تسمى وحدة التسليم (PDU) اكتشاف أحد أكبر رواسب النحاس بالبلاد، حسب بيان نُشر بموقعها الإلكتروني في فبراير/شباط الماضي.
واللافت للنظر أن المشروع كان بشراكة أميركية (نادرة في أفريقيا)، بالتعاون مع شركة كوبولد ميتالز (KoBold)، ومقرّها ولاية كاليفورنيا المدعومة من الملياردير التقني بيل غيتس.
ومن المقرر أن يكلّف تطوير المنجم المكتشف مليارَي دولار، في ظل خطط لبدء الإنتاج بحلول عام 2027.
ومع بدء تشغيل المنجم، يتحول طموح زامبيا بإنتاج 3 ملايين طن من النحاس في غضون 10 سنوات إلى واقع، بجانب زيادة مرتقبة في صادرات المعدن وعائداتها، ونشر لتقنيات التنقيب عن المعادن بالذكاء الاصطناعي.
وبالإضافة إلى منجم النحاس، تروّج الوحدة الرئاسية في زامبيا إلى أن أميركا قد تجد في البلاد ضالّتها من المعادن النادرة في 3 دول أفريقية، إذ تضم زامبيا موارد إضافية من النحاس والكوبالت والليثيوم والنيكل، في إطار مساعي التحول باتجاه الطاقة النظيفة والبطاريات.
حجم الإنتاج والصادرات:
احتلّت زامبيا موقع ثامن أكبر منتجي النحاس عام 2022، في حين أشارت توقعات مؤسسة غلوبال داتا (Global Data) إلى ارتفاع الإنتاج بنسبة 0.04% خلال المدة من عام 2022 و2026.
وبجانب زامبيا، يبرز دور مهم لمنتجين آخرين، من بينهم: جمهورية الكونغو الديمقراطية وتشيلي وبيرو والصين، وفق موقع مايننغ تكنولوجي (Mining Technology).و
ووجهت الدولة الأفريقية غالبية صادراتها خلال عام 2022 إلى الصين، وسط توقعات بزيادة إضافية في الصادرات خلال السنوات الـ4 المستهدفة لزيادة الإنتاج.